سورة التغابن - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التغابن)


        


{يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض} بدلالتها على كماله واستغنائه. {لَهُ الملك وَلَهُ الحمد} قدم الظرفين للدلالة على اختصاص الأمرين به من حيث الحقيقة. {وَهُوَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل على سواء ثم شرع فيما ادعاه فقال: {هُوَ الذى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ} مقدر كفره موجه إليه ما يحمله عليه. {وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} مقدر إيمانه موفق لما يدعوه إليه. {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيعاملكم بما يناسب أعمالكم.
{خَلقَ السموات والأرض بالحق} بالحكمة البالغة. {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} فصوركم من جملة ما خلق فيهما بأحسن صورة، حيث زينكم بصفوة أوصاف الكائنات، وخصكم بخلاصة خصائص المبدعات، وجعلكم أنموذج جميع المخلوقات. {وَإِلَيْهِ المصير} فأحسنوا سرائركم حتى لا يمسخ بالعذاب ظواهركم.
{يَعْلَمُ مَا فِى السموات والأرض وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ والله عَلِيمُ بِذَاتِ الصدور} فلا يخفى عليه ما يصح أن يعلم كلياً كان أو جزئياً، لأن نسبة المقتضى لعلمه إلى الكل واحدة، وتقديم تقرير القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قدرته أولاً وبالذات وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الأنحاء.
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ} يا أيها الكفار. {نَبَأْ الذين كَفَرُواْ مِنْ قَبْلُ} كقوم نوح وهود وصالح عليهم السلام. {فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} ضرر كفرهم في الدنيا، وأصله الثقل ومنه الوبيل لطعام يثقل على المعدة، والوابل المطر الثقيل القطار. {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة.
{ذلك} أي المذكور من الوبال والعذاب. {بِأَنَّهُ} بسبب أن الشأن. {كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات. {فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} أنكروا وتعجبوا من أن يكون الرسل بشراً والبشر يطلق للواحد والجمع. {فَكَفَرُواْ} بالرسل {وَتَوَلَّواْ} عن التدبر في البينات. {واستغنى الله} عن كل شيء فضلاً عن طاعتهم. {والله غَنِىٌّ} عن عبادتهم وغيرها. {حَمِيدٌ} يدل على حمده كل مخلوق.
{زَعَمَ الذين كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ} الزعم ادعاء العلم ولذلك يتعدى إلى مفعولين وقد قام مقامهما أن بما في حيزه. {قُلْ بلى} أي بلى تبعثون. {وَرَبّى لَتُبْعَثُنَّ} قسم أكد به الجواب. {ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} بالمحاسبة والمجازاة. {وَذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ} لقبول المادة وحصول القدرة التامة.
{فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ} محمد عليه الصلاة والسلام. {والنور الذى أَنزَلْنَا} يعني القرآن فيه بإعجازه ظاهر بنفسه مظهر لغيره مما فيه شرحه وبيانه. {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فمجاز عليه.
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ} ظرف {لَتُنَبَّؤُنَّ} أو مقدر باذكر، وقرأ يعقوب {نجمعكم}.
{لِيَوْمِ الجمع} لأجل ما فيه من الحساب والجزاء والجمع جمع الملائكة والثقلين. {ذَلِكَ يَوْمُ التغابن} يغبن فيه بعضهم بعضاً لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس، مستعار من تغابن التجار واللام فيه للدلالة على أن التغابن الحقيقي هو التغابن في أمور الآخرة لعظمها ودوامها. {وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا} أي عملاً صالحاً. {يُكَفّرْ عَنْهُ سيئاته وَيُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَداً} وقرأ نافع وابن عامر بالنون فيهما. {ذلك الفوز العظيم} الإِشارة إلى مجموع الأمرين، ولذلك جعله الفوز العظيم لأنه جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع.


{والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بئاياتنا أُوْلَئِكَ أصحاب النار خالدين فِيهَا وَبِئْسَ المصير} كأنها والآية المتقدمة بيان ل {التغابن} وتفصيل له.
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} إلا بتقديره وإرادته. {وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ} للثبات والاسترجاع عند حلولها، وقرئ: {يَهْدِ قَلْبَهُ} بالرفع على إقامته مقام الفاعل وبالنصب على طريقة {سَفِهَ نَفْسَهُ} ويهدأ بالهمزة أي يسكن. {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} حتى القلوب وأحوالها.
{وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين} أي فإن توليتم فلا بأس عليه إذ وظيفته التبليغ وقد بلغ.
{الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} لأن إيمانهم بأن الكل منه يقتضي ذلك.
{يا أيها الذين ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عَدُوّاً لَّكُمْ} يشغلكم عن طاعة الله أو يخاصمكم في أمر الدين أو الدنيا. {فاحذروهم} ولا تأمنوا غوائلهم. {وَأَن تَعْفُواْ} عن ذنوبهم بترك المعاقبة. {وَتَصْفَحُواْ} بالإِعراض وترك التثريب عليها. {وَتَغْفِرُواْ} بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها. {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم.
{إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ} اختبار لكم. {والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} لمن آثر محبة الله وطاعته على محبة الأموال والأولاد والسعي لهم.
{فاتقوا الله مَا استطعتم} أي ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم. {واسمعوا} مواعظه. {وَأَطِيعُواْ} أوامره. {وَأَنْفِقُواْ} في وجوه الخير خالصاً لوجهه. {خَيْرًا لأَِنْفُسِكُمْ} أي افعلوا ما هو خير لها، وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر، ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف تقديره: انفاقاً خيراً أو خبراً لكان مقدراً جواباً للأوامر. {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون} سبق تفسيره.
{إِن تُقْرِضُواْ الله} تصرفوا المال فيما أمره. {قَرْضًا حَسَنًا} مقروناً بإخلاص وطيب قلب. {يضاعفه لَكُمْ}. يجعل لكم بالواحد عشراً إلى سبعمائة وأكثر، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب {يضعفه لكم}. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ببركة الإنفاق. {والله شَكُورٌ} يعطي الجزيل بالقليل. {حَلِيمٌ} لا يعاجل بالعقوبة.
{عالم الغيب والشهادة} لا يخفي عليه شيء. {العزيز الحكيم} تام القدرة والعلم.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة التغابن دفع عنه موت الفجأة» والله أعلم.